عاق أم بار
أففف ماذا تريد؟ تعبت منك ومن طلباتك ! لماذا تلاحقني كثيرا كأنني طفل صغير؟ هكذا قال الفتى وائل لأبيه مصطفى عند دخوله للمنزل وهو يترنح ويمشي متثاقلا ...وائل عمره 14 سنة في بداية فترة "المراهقة" كما يسميها الغرب ، لأنه في ديننا زيد بن ثابت أصبح كاتب الوحي وفي عمره 13 سنة، والزبير بن العوام أول من سل سيفه لله في الاسلام وعمره 15 سنة. فأين نحن من كل هذا؟..المراهقة هي خدعة اتخذها الغرب، كي يبرر كل التصرفات الدنيئة على أنها مقبولة، حتى ولو كانت لاتتوافق وديننا كتصرف وائل الذي يصرخ في وجه والده الطاعن في السن فقط لأنه يحبه حب شديد ويوجهه للطريق الصواب لمصلحته لا غير! مصطفى أبو وائل عمره 56 سنة، عامل متواضع،ودود وطيب .رغم أنه ليس بغني ماديا، لكنه يساعد الفقراء ويعطف على الصغار ، رغم احتياجه لكنه إذا ماطلب منه شخص شيء ما يعطيه له برحابة صدر. باإضافة الى أنه يهمه التحصيل العلمي لأولاده، يحب أن يراهم ناجحين ،لكن وائل أتعبه كثيرا بسبب رفاق السوء، جل أصدقاء وائل مدخنين ويصادقون الأكبر منهم سنا ، حتى ولو كان من جماعة المخدرات وهذا ما أرهق أبيه..في كل مرة، وبعد كل امتحان يصرخ الأب في وجه ابنه ولكن يقابله وائل اما بصراخ أعلى صوتا أو بلامبالاة.مرت الأيام... حتى مرض الأب بالوباء الخبيث" السرطان" وصار طريح الفراش، ولكن رغم ذلك لازال يهتم برفقة ابنه وبدراسته ووو... كان وائل عامها سنة نهائية وهي امتحان شهادة التعليم المتوسط وازداد حرص الأب على مصلحة ابنه...
الأب(من نافذة دار الضياف): يا وائل، ادخل للمنزل!
وائل: أبي (بنظرة حادة)كرهتك وتعبت منك!
لم يكن وائل بهذه القسوة من قبل قط! فعلا حزن الأب لذلك حزنا شديدا، وكأن شخص قد رمى سهما ساما في قلبه..ولكن ما باليد حيلة، في وقت مضى كان الأبناء يصبرون على قسوة وحزم آباءهم، لكن الزمن تغير! أم نحن تغيرنا؟ أم بسبب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي فتكت بحياة الكثير و سلخت المبادئ وهي تحاول تشويه ديننا الاسلامي الحنيف بدافع العصرنة والموضة؟
انكسر خاطر الأب، لكن كما يعلم الكل، أن الوالدين أحن المخلوقين لأبناءهم ،حتى ولو همرت فيهم في كل لحظة سيرجعون وتجرهم عاطفتهم اليك جرا.
عند وصول امتحان شهادة التعليم المتوسط، الأم تحضر اشهى وألذ المأكولات كي تشعر وائل بالراحة وتوفر له كل سبل النجاح، أما الأب(مصطفى) كلف أحد أقاربه بأن يشتري له أنواع اللحوم والخضار كي تطبخ الأم لوائل أفضل طعام. واجتاز وائل الإمتحان ومرت الأيام الثلاث.
الأم لوائل: كيف كانت الامتحانات ؟
وائل(بصوت جد غليظ): لا تجيدين التحدث في موضوع آخر؟ هممم مابك!!!!
الأب لوائل: بشرني ياولدي! كيف كانت الاختبارات؟
وائل: ماذا تتوقع ؟ هل أنت عالم حتى أصير مثلك؟
تنهد الأب تنهيدة لامثيل لها وأحنى رأسه وقال: ياولدي نجاحي هو نجاحك.أنا لست عدوك . بل أفرح لفرحك وأحزن لحزنك.أعلم أنني أمي، لكن زمني ليس مثل زمنك. أحاول أن أوفر لك ماعجز والداي توفيره لي. هل تظن بأنني راض لكوني أمي؟..لا، لست راض أبدا! ولكن ماذا بوسعي فعله؟ وقتها كنت أود الولوج للمدرسة، لكن أبي كان يطردني لكي أرعى الغنم! ياليتني حضيت بفرصتك. والله يا وائل(وهو يوجه سبابة يده لابنه) أنت بين يديك كنز ثمين ولك فرصة ذهبية في النجاح والتألق، فلماذا تمكر بنفسك! هل تظن أن هذا لي ونجاحك سأستفيد؟! والله بعظمته وجلاله لا أستفيد شيئا. لكن أحبك أن تكون ناجحا لنفسك وفقط، لا أحتاج مالا بل أوجهك للطريق الصواب الذي تمنيت لو وجهني اليه أحد ما.
ثم سكت الأب وتمتم كلمات غير مفهومة.
وائل في بادئ الأمر اغرورقت عيناه بالدموع، لكنه حبس دمعته لأنه لا يحب أن يظهر احساسه لأي كان، رغم أنه حساس لكنه يبدي عكس ذلك.
بعد نتائج Bem بفترة ليست بطويلة ،توفي والد وائل وترك فراغا رهيبا بالمنزل...ثم فقط أحس وائل بعملته..ثمة فقط أدرك وائل معنى البر بالوالدين، رغم أنه يدرس عليه في المدرسة، لقوله تعالى:" فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما" الآية 23 سورة الاسراء.
....نعم رحل الأب و كأن جدار المنزل قد هد، رحل الأب ورحل معه كل شيء من اهتمام و سؤال وحب وعطف وحنان...بكى وائل بكاءا شديدا و خرج للشارع ووضع ركبتيه على الأرض وهو يصرخ بأعلى صوته: يا الله أين أبي...يا أبي اشتقت اليك..يا أبتي ارجع الينا لعام فقط بل لشهر..يا أبي سأصبح بارا بك للأبد! ياا أبي يبدو أنك رحلت للأبد، مثلما قلتها لي أنني بعدك سأصبح حطاما، ها أنا ذا مثلما قلت، لا أحد سيعوض مكانك...يا أبي سأترك رفاق السوء..يا أبي سأدخل باكرا للمنزل...يا أبي سأسوق بك سيارة المعاقين وأخرجك الى أين تود كي تستنشق هواءا نقيا..
كلماته قسمت قلوب كل من كانوا بالحارة، ولكن هل ينفع الندم بعد فوات الأوان؟؟!
صار وائل كالعصفور مقصوص الجناحين، لا من يعيله بعد رحيل أبيه...
وائل: أمي لا أحب البيض المسلوق، أود قليل من الدجاج.
الأم : ومن أين لي بذلك؟ لا أملك النقود الكافية! رحل الأب المعاق الذي كنت لاتعيره اهتماما و تعايره أمام وجهه أنه معاق وأن فمه مائل وأن رجليه منحدرتين...
وائل: انتهى (بصوت عال) أمي لا أود لا بيض ولا دجاج. أود أم ارتاح و فقط.
مر الصيف بمرارته وأتى وقت المدرسة ووائل أعاد السنة ،ولكن يا هل ترى بنفس عزيمة وتلاعب العام الماضي؟
لا أبدا ! موت أبيه اتخذه كحافز لكي ينجح ويفرح أبيه ولو في قبره، وهذا ما حصل فبعد ما كان يتحصل على 8 و 9 من 20، أصبح يتحصل على 14 الى 15 . كل أساتذته وزملائه لاحظوا الفرق، فبعد أن كان يأتي بدون مئزر ويرتدي لباس الهيب هوب بسبب الميديا التي صورت له مفهوم خاطئ عن التطور، غير كل طريقة لبسه وأصبح يصلي كل صلواته في وقتها ولباسه محتشم مثلما نص عليه الدين الإسلامي.
هناك من يستفيق بعد الضربة القاوية وهناك من يبقى في القاع يدور في الهاوية. رغم أن وائل خسر أبيه بوفاته وعدم طاعته لكن استفاق بعد موته وتقرب من الله عزوجل عله يغفر له خطيئته.
سامية قعادي
تعليقات
إرسال تعليق