القائمة الرئيسية

الصفحات

Getlike

  مجنون البحر

دوماً ما تأتي الأيامُ بما لا يشتهي القلب، ترسلُ عواصفها على حين وهنٍ من الحب، تبتلع فضاء العلاقاتِ دفعة واحدة، وتقصُ الأجنحة بلحظة شك!


هل سبق واخبرتكُ أنني حين التقيتكُ انشطر قلبي ثلاثُ أجزاء؟

إن لم اخبركِ فهو الضياع، وإن أخبرتك ونسيتِ فلا بأس؛ فهو النسيانُ عدو الإهتمام الأول!


 لم أخبرك، ام نسيتِ، لا فرق.. الآن أخبرك انه صار في أربع جهاتٍ متفرقة...

فالقطعة التي كانت لعينيكِ أصبحت للبكاء عليك!

والتي لإبتسامتك أضحت نائحة لفقدك!

وتلك التي خوفاً عليكِ آلت للخوف منك!


والرابعة أصبحت تخافُ عودتك كما كانت تخافُ فقدك!


اعودُ بكِ للحكاية، ويطيبُ في حضرتك السرد ودفقُ الحروف، حين اللحظةِ الأولى، حين الوعدِ البعيد!


شروق :

اخبرتُ زميلي في السكنِ الداخلي صباحاً وانا انتقي ثوباً يصلحُ للخروج، أن مد الأكفِ للسلامِ أشبه بأن تقبل قلب أحدهم.. اكتفى زميلي بمحاصرتي بصمته، فله من ملكوتِ الصمتِ ما يجعلك ترتعش حين ينطق!


الأزرق، القطن، الخيط، الفراولة الطازجة، الكلمة، المعنى والقافية!


ويقطعُ زميلي إنسياب اغنية الدواخل تلك :

(حين تقبل قلب أحدهم ستشرقُ بالدماء)

لا عليك الذين يعجنون الجنونُ بالواقعِ لا ريب ينكسرون!


خارج مملكة الساعات والدقائق :


كنتُ فراشة حلوة بين أسراب عصافير، وحدكُ أميرة مملكة الصباح، تخترقين الصدر  بسلاسة قاتلٍ محترف يتقنُ الإنسجامُ مع أدواته، تنتزعين النبضات بلطف ببراءة طفلٍ يقتلع زهرة تقفُ وحيدة في الشمس لنقلها إلى الظل..


وقد كنتِ طفلة، بالزُرقة الفريدة في عينيكِ كما لو كانتا بحراً متمرساً في إحتضان السفنِ والقوارب.. طفلةُ بكنانة الحبِ في رمشيكِ.. بثوبكِ الفيروزي الذي يرقصُ للنسيمِ فرحاً بكِ، مرحاً بكِ ، فخراً بكِ.. بكفيكِ تحتضنانِ كتاباً، ولستُ كاذباً رائعتي إن قلتُ لكِ أنني رأيتُ الحروف تتقافز إلى عينيك لتبدأ بهما الصباح، وما أبهى صباحاً يبدأ ببحر عينيكِ!


كتاب :


وأُخبركِ اني اغارُ على بحري الجميل من تلك الصفحات، اغارُ حين تسرقه مني لعمرٍ قصير، ثم تعيده معتقاً بمنطقٍ وإدهاش..

ولكني اغار..

أليس البحرُ بحري؟!

ألستُ الغريق الوحيد؟!

فما بالُ حروفٍ تغتسل بروعته كلما حانتْ مني إلتفاتة إلى ثغركِ!


(تغارُ من كتاب؟)

ولست خسارة أن احترق بغيرتي وتطفئ حريقي أمطارُ ضحكاتكِ!

(هه وما في ذلك يا قمري.. يا بحري؟!) 

وه لذاك البنصر حين يرقدُ بين شفتيك! 

(بحركُ اسيرٌ لبرك يا ساحلي) 

وما غيرتي من الحروفِ إلا ابتسامة الإنبهارِ التي تقفزُ إلى وجهي دون أن ادري.. حين يعبثُ بي منطقك كما يشاء!


وسرقتكِ الحروف :

اسوء الاماكنُ حظاً هي صالاتُ المغادرة.. رجاءاتٌ، توسلاتٌ، حكايا، وصايا، حقائبٌ محشوة بالأحلام، أوراق، مداد، كلماتُ مبحوحة، صلواتٌ جريحة، رجال، نساء، طفولة تزفُ إلى الإغتراب.. بحرٌ.. بحر.. بحر يرحل إلى حيثُ لا ساحل!


(حتى لو اختفت كل وسائل الإتصال، ستعبرُ روحي المحيط لتلقاك)

وملكوتُ الصمتِ لا يعرفُ حرفاً طاغٍ!

(ستخبرني كل شيء، وسأسردك عليك تفاصيل كل صباح كما لو كنتُ بين يديك)

تبتلعُ المرارات الكلام!

(وعد)..

(وعد)..

وحدها الوعودُ تكسرُ جمود حبالِ الكلام!


وعدٌ ووعد :

الأيامُ أصبحت عطشى، جرداء لو رزازة صوتكِ الذي يغشاها من حينٍ إلى حين في مواكبه العجلى، يزفه الحزنُ والإشتياق من ضفة متصحرة إلى ساحلٍ خربٍ مهجور!


الشهورُ المتكسرة يكتسحها السمومُ، والرزازُ الحلم أضحى لا يزور، اسرابُ العصافير تعبئ صالاتِ الرحيل، ومثلها صالاتُ الإياب، وحده البحرُ قد ضلّ الطريق!


السنواتُ العجافِ يأكلن ما قدمنا لهن من وعود إلا قليلاً مما يسعف محاجرنا بزرفِ الدموع!

سنواتٌ فضحت الساحل، عرف فيها أنه بلا بحرٍ ليس أكثر من بساطِ ترابٍ اجرد، هزيل مصفرٌ لا عصفورٌ ولا نبات!


اشباحُ اكفٍ ودماء :


تخرجُ من ظلامِ الحجرة الجامدة في نهاية المستشفى، تمتدُ بلا سواعدٍ ولا ازرع، بيضاء كصفحةٍ فارغة، تتقاطع خطوطها راسمةً المواعيد، تسبحُ في الظلامِ وكأنها قاربٌ يستعرضُ بحراً.

وحين تصافحها يدي تنفجرُ في حلقي الدماء، واجدهم جميعاً عند بابي يتصاحيون (مجنونُ البحرِ يحتضر.. مجنون البحرِ يحتضر..)!


#ابوغزل

الكاتب: محمد القاسم عبد الحليم

author-img
خدمة نشر الكترونية

تعليقات

Getlike