الحلفايا
مضى عام يا أمي، أتعلمين أننا نفتقدكِ؟
لن أنسى شعوري عند سماعي جملة "إنتقلت الأم الحنون إلى رحمة الله"، لم أجد وقتها فعلاً سوا البكاء، تمنيت لو كنتُ بجانبكِ قبل الموت، عجزتُ مقاومة ذلك الخفقان المتواثب. وعجزتُ كُل العجز أن أنسى حبك ِلي، من بعد موتك لم أخبر أحداً بكِ لكنكِ تفيضين من عيناي، عيناي هما من يخبران الناس بكِ.
أماه، إن أخي خسر جميع محاولاته في ترميم نفسه بعد فقدنا إياكِ، انه يجهش بكاءً كل يوم وليلة، أصاب الحزن قلبه وترك فجوة فيه بعمق حبه لك، واليوم هو أول يوم يخرج فيه من بين طيّات الظلامِ والحزن. دعوته للتنزه قرب شجرتنا القديمة، الشجرة التي لطالما أحببتها وزرعتي حبها بداخلنا، يجالس نفسه أمامي وكأنه لا وجود لي، يبحث عن لحن يجعله في عالم لم يكن له، يترك نفسه مع الصوت المنبعث من حفيف الأشجار الذي حتماً لا يعرف من أين يأتي، وأين سوف يغادر، يترك نفسه مع تيار الهواء الذي ينجح في إرسال مشاعره إلى أبعد ما تمنى، ربما إلى نهاية نفسه، حيث كان يبحثُ عن باب يستطيع منه أن يرتاح، تأخذه دوماً أصوات الطبيعة إلى هذا العبور، ليفتح عينيه في زمن كان قد فقده دون أن يكتسبه مرة أخرى، المكان مليء بكل الذكريات التي تجعله حزيناً، يسير في ممر من الذكريات واسع ومضيء، يلمس ذكرة تلو ذكرة، يسترجع كل نقص وكل حياة كان يشعر بها، الصوت يبدو قوياً فيما هو ما زال يسير في الممر إلى ما لا نهاية، ينهض من مكانه هذا، يرفع يديه عالياً ويقف أمام الشجرة، يغمض عيناه متضرعاً لله، يدعو لك.
استجمعت نفسي بعد أن بات دمعي شحيحاً، أخذته للمنزل، وبعد بضع دقائق أراه يأخذ ورقة كالمعتاد، كتب ملاحظة صغيرة، علقها على الثلاجة، "خرجت للتمشية خارجاً، ربما أتأخر، لا تنسي وضع الخبز الذي صنعته في الثلاجة، أحبكِ أمي "، يرتسم على ملامحه وجهاً باسماً، هو يعلم بفقدك أمي، ويعلم أيضا أنكِ لن تتمكني من رؤية ما كتبه لكِ، فقط يكتب ليحطم ما تبقى من ثنايا قلبي وقلبه، ويرجع مجدداً لقبرك، ليحكي قساوة حالي وحاله ويمضي.
#ايلاف_محمد_البشرى
![]() |
الكاتبة | إيلاف محمد البشرى |
تعليقات
إرسال تعليق