الرسائل المتعبة
مدخل
لم تعلم النوارس أن البحر يغار منها ، ولم يعلم البحر أن النوارس هي أول من آمنت به.
لننقذ بعض الكلمات قبل نفوق الحروف ونفرغ أذهاننا من محبرة الوقت.
نقرأ روايات سكان (مدينة الأرق) حين رأوا طيور عملاقة تحتفل بموسم التزاوج، ورد في الفصل الأول جندود المهدية بملابسهم المرقعة وهم يتناولون أشلاء (الرجل الأبيض ).
كانت دهشتي لا توصف عندما حدثتني جدتي الكبيرة في السن عن أول الرسائل الورقية التي كتبها لها (الخزين) وقد وقعت في يد (العمدة).
اصطدمت بي الصدفة بينما كانت تلهو ، جرى بيني وبينها محض نظرة عابرة ، كأننا لم نلتقي من قبل !
كأن شيئا لم يكن !
ثم عجنني الطريق وأنا أسير ، ونجوت على لوح من الخشب.
الرسالة الأولى:
إلي روح جدي وهو يرحل من بيننا سريعاً هكذا، السلام على روحك أينما حلت، توقف الوقت منذ رحليك واصبح الشارع حزين ، بهتت جدران المنزل التي لطالما إرتوت بتلاواتك وأنت تقرأ (إنا أنزلناه في ليلة القدر )، شاءت الأقدار أن تكون هي الليلة التي فارقتنا فيها، افتقدت صوتك في الأنحاء، جلاليبك البيضاء، عصاك التي تتكئ عليها، كرسيك الهزيل، الراديو ذو السلك الطويل ، هذا الذي لم أستطع أن أمحوه من ذاكرتي، أصبح الذي بيني وبينك دعاء.
الرسالة الثانية:
إلى الجميلة التي عرفتني على الحزن، فقدت مهارتي في تعريف الحزن لأني لا أعرف كيف تكتب عيناك على الورق، لكني عرفت كيف أغمض عيني وامضي في سبيل حلم سرمدي، لكن الصباح الذي يخصك لم يعد، ثم لم أعثر عليك، كأنك قد رحلتي بي، كأن العمر مضى وأنا أنتظر رسالة منك تتفقديني فيها.
المدينة كما تركتيها، إنتظرت مريراً، تأخر الوقت وعلي اللحاق بهم ، فلك الحنين أبدا، ولقاء قهوة أخيرة، فالنمضي الآن وبلا تلاويح ، تمنيت لو أقول لك : تلك الأوقات ليتها توقفت.
الرسالة الثالثة والأخيرة:
إلى الوردة التي تمضي إلى حال سبيلها، قولي لي أننا لا نزال هناك تحت الرواكيب الفسيحة، بأزيارها وترابها المبلل بالماء، بقهوتها وأشجار ( نيمها ) الظليلة، حدثيني عن (الناس) و (الدكاكين) و (البيوت الطينية ) و ( السيسبان ) و أنوار الحافلات البعيدة في المغارب، وأشياء من هذا الحنين.
سمعت صوتاً عزباً يقول لي : إنها المغارب كم مر عليك هنا ؟ حتى الطيور عادت لأعشاشها وأنت تنتظر ؟
قلت لها : أنا مرتبك قليلا، تتهدمني رائحة الأيام، أعاين في الدروب، أنتظر طرحتها المغسولة لتعد لي الشاي، أتلذذ بدخان الفنادق حين يمتد من أفق فسيح.
يدخل المدينة غسقها المعتاد وأنا عند نفس (السياج) أمام بابنا الصغير، تتقاسمني المشاوير، وقررت أن أتمشى ولمحت وحشة من العتمة تتخللها أنوار الفوانيس وفي مفترقات ضحكتها لمحت سمائها الأولى، يديها وهي تمنح( الزوادة ) للعابرين.
#محمد_الحضري
![]() |
الكاتب: محمد الحضري |
تعليقات
إرسال تعليق