القائمة الرئيسية

الصفحات

Getlike

ورقة بيضاء |مدونة كتابات

ورقة بيضاء


يهرول من سيارة لأخرى، ملتمساً الشفقة.
ورقة بيضاء مطروحة كألنعش بين يداهُ الصغيرتان، يطرق باب هذا فيشتم، وذاك فيضرب ويُلعن.
في إحدى طرقات المدينة الزاهية، المُزهرة، المرصعة، المضيئة كليالي رمضان، أو حفلة رقص في المكسيك، فكلاهما يضيئآن حياة أشخاص، مع إختلاف درجة الإضاءة وأمدها.
    ينام على قارعة الطريق بعد أن أُهدم سعيه، في إثارة شهوة أحدهم، في زمن كثُر فيه الشهوات، لا أحد يعمل عمل بلا شهوة، شهوة المال يقودنا إلى العمل، ليت شُهاة الخير يكثرون كهولاء.
    حتى مع كل هذه الشواهد التي تبدو جلية عليه الا أنه لم يفلح في ذلك.
    متشبثاً بالورقة البيضاء بقوة، يمكنه ترك الدنياء بحذافيرها ولكن ليست هذه الورقة.
    ينظرون اليه المارة ملقيين بقمامة أفواههم عليه، وكأن قمامتهم ثقُلت عليه حتى صار مقعدا، يتناوشون بكلام لا تسمن ولا تغني من جوع، بل ينهشون لحمة، كيف طاب بهم أكل طفل حي ميت، لا يعتنق سوى ورقة بيضاء مذهبا وديناً ووطناً؟؟!
     محمد، طِفلٌ ذو عقد واحد، همّام مِقدام، الا انه فقير، رثّ الثياب، كادح، عمل الكثير من الأعمال الشاقة، رغم صغر سنه الا ان غموضه تُلفت الإنتباه، يُعرف بأنه دائما ما يحمل ورقة بيضاء أينماء فاء، ورقة تلازمه كظله، ورقة لا يترك أحداً يقترب منها الا في هذا اليوم الحالك الهالك.
     تستلقي في إحدى المستشفيات، إمراءة قد نَهَش لحمها السقم والإعياء، والجوع والتعب، مثل جوع الوطن، حينما يسقم ويتعب بفعل مالكيها، لو إهتموا بالوطن لما سقم وجاع، ولما كان هناك من يستلقي مع المخلفات في غرفة مظلمة، لا أحد معها، تتمتم بكلمات غير مفهومة وكأنها تستنجد الموت أن خذني.
     في وطن يملؤه الجهل ممزوجاً بالعنصرية البغيضة، لقي حتفه على يدي ساستها، ولم يكرم حتى بالتكفين، كأنهم يستخسرون ادوات النعش في وطن رضعوا من حلوِ لبنها الآف السنين. الجنينة تستنجد، فهل من مستغيث؟!
      ها هو محمد يهرول قائلا من باب المستشفى: "أمي لقد وجدت من سيدفع لنا ثمن العملية وستشفين وترجعين كما كنتِ" تعلوهُ دمعات الألم ممزوجة بالفرحة.
     دخل الغرفة فلم يجد أمه.
    ورقة بيضاء ملقية تحت السرير حيث وافتها المنية، مكتوب عليها "اللعنة علي الفقر".
  أخذ الرجل تلك الورقة التي طالما أحتفظ به الطفل وباشر بالقراءة: < يا من ستأخذ من أبني هذه الورقة وهو في أشد إنكساره، هذا الجبل لم ولن ينكسر البته، رغم إنه يحاول جاهداً إنقاذ ميته إلا أنني سأبقه حتى لا يُذل من أجلي، لا ألتمس منك أدنى شفقة، رجلي هذا الذي تراهُ طفلاً لم يتوانى يوماً عن تقديم ما ظنني إحتاجه، ولكن هذه المره قد تكالبت عليه الأحداث وجبر على الخروج لهذا لم أعطيه ورقة العملية وفضلت الموت، كتبتُ هذا من أجل أن أجبر بخاطره والسلام>.
    ولقد مات الوطن، حينما وجد نفسة محاصراً، فضل الموت على إذلال إبنه، فهذا ليس موتها لوحدها كم من أم واوطاناً فضلوا الموت في سبيل أبنائهم.
   ......
أمسى الرجل مذهولاً من هذه الأسرة وأصبح يسأل عنهم فقيل له: هذه المراءة كانت دكتورة معروفة في هذا المستشفى، كانت تعالج كل من هّب ودب، فقير أم غني، لا فرق لديها، الا أن أشتكت الطبقة العليا للمدير بأنهم لا يمكن أن يعالجوا في مكان واحد مع الفقراء المتسخين(حسب قولهم)، فوافق المدير على إقتراحهم بمنع كل متشرد من تلقي العلاج وأيضاً قام بزيادة تكاليف العلاج، فناهضت هذه الطبيبة الفكرة بشراسة إلى أن فُصلت وأصبحت تنادي بذلك عبر كل الطرق إمكاناً، إلى أن تلاعبوا بها وجُردت من كل أملاكها، أصبحت بين ليلة وضحاها بلا زاد ولا مأوى، ولكنها كانت تملك إبن شجاع، هو فقط ما تبقى لها، وكان كل شئ لها.

#حيدر_كوريا

 

تعليقات

Getlike