"حنِينْ"
ـــ
مَرْحَبًاً، أَنَا ابْنَةُ السَّبْعَةَ عَشَرَ رَبِيعًاً ، لَكِنَّنِي مَا زِلْتُ أَشْعُرُ أَنَّنِي تِلْكَ الطِّفْلَةُ ذَاتُ السَّبْعَةِ أَعْوَامٍ، جُلُّ اهْتِمَامِي كَيْفَ أَحْصُلُ عَلَى لُعْبَةٍ جَدِيدَةٍ بَعْدَ أَنْ كَسَرَتْ لُعْبَتِي الْقَدِيمَةِ.
تَسْتَهْوِينِي عَرَبَةُ الْآيِسِ كَرِيمٍ، تَرُوقُنِي الرُّسُومَ الْمُتَحَرِّكَةَ كَثِيرًاً، تَجْذِبُنِي دُمَى الْعَرَائِسِ، بِدَاخِلِي طِفْلَةً مُولَعَةٌ بِاللَّعِبِ خُصُوصًاً أَلْعَابَ الطِّينِ.
فَأَعُودُ لِمَنْزِلِي وَثِيَابِي مُلَطَّخَةٍ بِالطِّينِ، تُوبِخُنِي أُمِّي وَبَعْدَهَا تَغْسِلُهُ عَنّي.
وَتُبَدِّلُ ثِيَابِي، لَكُمْ أَحَنُّ لِتِلْكَ الْأَيَّامِ.
مَهِلًاً أَيُّهَا الزَّمَنُ لِمْ كُلُّ هَذِهِ الْعَجَلَةِ..؟
وَمِنْ أَيْنَ أَتَتْ تِلْكَ الْعَشَرَةُ أَعْوَامٍ..؟
كَبُرَتُ وَلَمْ تُبَارِحْ تِلْكَ الطِّفْلَةُ مَكَانَهَا فِي دَاخِلِي وَكَأَنَّهَا تَصْغُرُ كُلَّمَا كَبُرَتُ أَنَا
تُعَاتِبْنِي أُخْتِي حِينَمَا تَرَانِي مُنْدَمِجَةً فِي اللَّعِبِ مَعَ إِخْوَتِي الصّغَارِ، إِذْ لَمْ أَكُنْ أُصْغِي لَهَا أَبَدًاً لِأَنِّي أَجِدُ مُتْعَتِي فِي تِلْكَ الْأَلْعَابِ.
كَانَتْ تِلْكَ الطِّفْلَةُ مَلْجِئِي عِنْدَ شِدّةِ ضُغُوطِ الْحَيَاةِ، أَعُودُ إِلَيْهَا مَقْهُورَةً مُنْكَسِرَةً تَسْأَلُنِي مَاذَا حَلّ بِكَ..؟
فَأَبَثُّ لَهَا حُزْنِي وَمُشَاكِلِي فَتَحْنُو عَلَيّ كَأُمٍّ رَؤُومٍ تَرَبْتُ عَلَى كَتِفِي بِبَرَائَتِهَا الْمَعْهُودَةِ.
ثُمَّ تَسْحَبُنِي مِنْ ذِرَاعِي بِشَقَاوَةٍ كَيْ نَلْعَبَ مَعًاً، فَأَنْسَى هُمُومِي وَأَتْبِعَهَا لِنَلْعَبَ مَعًاً، يَا لَهَا مِنْ خَبِيرَةٍ، بِإِسْتِطَاعَتِهَا امْتِصَاصُ تَعَبِّي وَأَلَمِي بِكُلِّ سُهُولَةٍ.
يَوْمًاً بَعْدَ يَوْمٍ، إِنْكِسَارَاتٌ تَتْبَعُهَا إِنْكِسَارَاتٌ أُخْرَى
حَيَاةٌ تَشْتَدُّ قَسْوَةً وَأَلَمًاً، وَطَنٌ وَحُكُومَةٌ يُحَرِّمُونَكَ أَبْسَطَ حُقُوقِكَ، وَغَيْرَهَا ذَبِلَتْ تِلْكَ الطِّفْلَةُ الَّتِي بِدَاخِلِي.
إِعْتَزَلَتْنِي وَأَصْبَحْتُ وَحِيدَةً لَا شَيْءَ يُؤْنِسُ وَحْدَتَهَا.
حَاوَلَتُ بِشَتَّى السُّبُلِ إِعَادَتَهَا لِسَابِقِ عَهْدِهَا لَكِنَّنِي فَشِلْتْ، كَمْ كَانَ صَعْبًاً عَلَى تِلْكَ الصَّغِيرَةِ تَحْمِلُ رِيَاحَ الْقَسْوَةِ الَّتِى تَعْصِفُ بِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ .
تِلْكَ الطِّفْلَةُ هِيَ أَنَا فَلَيْتَنِي أَعُودُ طِفْلَةً حَقِيقَةً كُلُّ هَمِّهَا أَنْ تَشْرَبَ كَأْسًاً مِنْ الْحَلِيبِ؛عِنْدَ كُلِّ مَسَاءٍ
وَيَا لِلْعَجَبِ.!
كَأْسُ الْحَلِيبِ لَمْ يَعُدْ مَذَاقُهُ كَمَا كَانَ فِي الْمَاضِي.
أَيُّهَا الزَّمَنُ هَلَّاّ أَعَدْتَنِي -مِنْ فَضْلِكَ- إِلَى طُفُولَتِي..؟
#آية_علي_الحبيب
#أقلام_كيان
#مدونة_كتابات
#نبض_المواهب_الهادفة
![]() |
الكاتبة/ آية علي الحبيب | مدونة كتابات |
تعليقات
إرسال تعليق