(من أَرْشِيف ذَاكِرَة أناسيم )
السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ عصراً . . : ٣م
قَرَّرْت أخيراً النُّهُوضِ مِنْ الْفِرَاشِ لِأَنِّي مَا زلتُ اتقلب وَلَم أَسْتَطِع النَّوْم مُنْذ الْبَارِحَة ،
فبالرغم مِن ارهاقي الشَّدِيد لَكِنْ مَا يَدُور بِبَالِي يَمْنَعُنِي مِنْ النَّوْمِ ،
اِنْتَفَضَت مِنْ الْفِرَاشِ وَذَهَبَت لَأَغْسِل وَجْهِي ،
وَقَفْتُ أَمَامَ الْمَرْأَةِ لَكِنْ الرُّؤْيَة كَانَت مشوشة وَغَيْر وَاضِحَةٌ بسببِ الضَّبَاب
مسحتها بِيَدِي لأتمكن مِنْ الرُّؤْيَةِ
نظرةُ لِلْمَرْأَة نَظَرِه طَوِيلَة اخذتُ اتمعن مِنْ خِلَالِهَا بِوَجْهِي . .
آثَار دُمُوعِي الَّتِي خَالَطَهَا الْكُحْل قَدْ جَفَّتْ عَلَى وَجْهِي تقريباً ،
مَا زَالَتْ عَيْنَاي تحتفظ بِالْقَلِيلِ مِنْ بَريق الدَّمْعُ فِيهَا
وَمَا زَالَ أيضاً الْبَعْضِ مِنْ مسارات الدَّمْع الْمُخْتَلِفَة الَّتِي كَانَتْ
ترسُم طَرِيقُهَا عَلَى وَجْهِي أَثْنَاء تَقلُبي منذُ الأمْس بلونها الْأَسْوَد
جَرَّاء مُخَالَطَة الكُحلِ فِيهَا . .
شِعْرِي شَدِيدُ السَّوَادِ مُتناثر عَلَى اكتافي وَالْقَلِيل مِنْهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ
عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ كَتِفَيْ ،
يَبْدُو بِأَن شِعْرِي قَدْ طَالَ جداً منذُ آخَر مرةٍ صففتهُ بِهَا بِعِنَايَة ! ! !
وَهَذَا الأمرُ جيداً نوعاً مَا !
أحْمَرَ الشِّفَاهِ الَّذِي قُمْت بِمَسْحِه قَبْل قَبْل ذَهَابِي لِلنَّوْم مَا زَالَ لَوْنُه عالقاً
عَلَى شَفَتَاي ، فألعن بسري تلكَ الماركة وأعدُ نَفْسِي بِعَدَم شِرَائِهَا مجدداً ،
اتمعن الأقراط الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تُتَّخَذ أَمَاكِنِهَا الْمُتَتَابِعَة فِي أُذناي
تحسستُ مَكَان القُرط الرَّابِع مُستذكرة ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي قررتُ بِه
وَضَعَ ذَلِكَ الْقُرْط . . . .
اذكُر إنِّي بِطَرِيق عودتي مِنْ الْعَمَلِ كُنت بِحَالِه مزاجية سَيِّئَة جداً ،
كنتُ اعاني مِن تَضَارُبٌ الشُّعُور وَالرَّغْبَة بِالْهَرَب ،
كنتُ أُرِيد الْهَرَبِ مِنْ نَفْسِي . . . !
وَإِن اتخلص مِن عَنَاء التَّفْكِير ،
فَقَرَرْت بِأَن أَغْيَرُ مِنْ مَظْهَرَي قَلِيلًا كَيْ لَا اجدُني ! !
فَهَكَذَا نحنُ الْبَشَر . . .
حِين تواجهنا مُشْكِلَات يصعُب عَلَيْنَا حِلِّهَا نلجأ لِلْهَرَب ونتمنى لَوْ انّنَا نمتلك قُبَّعَة الْإِخْفَاء ظناً مِنَّا بِأَن هَكَذَا ستُحل جَمِيع مشاكلنا ! ! !
يالسجاجة عُقُولِنَا نحنُ الْبَشَر ،
اعْتَرَفَ بِأَنَّ هَذَا الْأَمْرِ لَيْسَ حكراً عَلَى جَمِيعِ الْبَشَر فَالْبَعْض مُغَايِرٌ تماماً لِمَا قُلْته ،
لَكِن هُنَاك فِيهِ وَأَنَا مِنْهُمْ ايضاً يَنْطَبِق عَلَيْنَا هَذَا الْكَلَامِ وَذَلِكَ مَا حَصَلَ مَعِي تحديداً ! !
قررتُ التَّغْيِيرِ مِنْ مَظْهَرَي بشيئ بَسِيطٌ علّي بِذَلِك اُنجب نَفْسِي مجدداً . . !
مررتُ بِإِحْدَى الصيدليات وطلبتُ مِن الفَتَاة الْمُخْتَصَّة ذَلِك ،
وَلَكِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيَّ انْتِظَارُهَا رَيْثَمَا تُنهي اتِّصَالِهَا . .
إِلَهِي كَمْ هِيَ بَشِعَة وغاضبة رُبَّمَا تُكلم زَوْجِهَا أَوْ صديقها لستُ أَعْلَم بِالتَّحْدِيد فَقَدْ كَانَتْ تَقُولُ أَثْنَاء كَلَامِهَا :
" لَن اسامحك عَلَى فعلتك تِلك أَتَسْمَعُنِي جيداً "
ركزتُ بِكَلَامِهَا وَلَكِنِّي شعرتُ بِالْقَرَف حِينَ رَأَيْت الرَّذاذ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ تَقْوِيم أَسْنَانَهَا أَثْنَاء كَلَامِهَا ،
كنتُ أُفَكِّر بالأنسحاب وَالعَوْدَة مرتاً أُخْرَى ، وَقَفْت وَجَلَسَت مجدداً حِينَ سَأَلْتنِي عَنْ مَطْلَبِي ،
اذكُر جيداً كَيْف نَهَشَت أُذني وَكُمَّيْه الْأَلَمُ الَّذِي جعلتنى اشعُر بِه لِدَرَجَة أَنَّهَا ادمعة عَيْنِي ،
فشتمتها بداخلي ووقفتُ بِصَفّ مِن أَغْضَبَهَا عَلَى الْهَاتِف ،
فَيَقْطَع شرودي هَذَا صَوْتُ الْمَاءِ الَّذِي أَصْبَحَ مُنْذ تِلْكَ الْحَادِثَةِ مصدراً لِلْخَوْف ! ! !
اصبحتُ أَخَاف صَوْتَهَا جداً فَكَان بِحَسَب اعْتِقَادِي هُوَ آخِرُ صوتٍ سأسمعه فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ المشؤم . . . ! !
الْمَاء شبهُ مُتَجَمِّدَة وَمَن الْبَدِيهِيّ بِأَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ لِأَنَّ فَصْلِ الشِّتَاءِ قَدْ بَدَا للتو أَوْ كَمَا يُسَمُّونَه بَلَغَه العُشاق ،
" فَصْلٌ الْحُنَيْن "
لَكِن بَرْد الشِّتَاء قَاسِي هَذَا الْعَامِ عَلَى قلوبٍ تئنُ بالفقدِ لأحبتها ،
صدقاً هُوَ لَيْسَ أَكْثَرَ بُرُودَة مِنْ الْأَعْوَامِ الَّتِي وَلَّت ،
غسلتُ وَجْهِي سريعاً فتناثرت الْبَعْضِ مِنْ الْمَاءِ عَلَى بدايات شِعْرِي فبللتها ،
عُدتُ النَّظَر لِلْمَرْأَة نَظَرِه خَالِيَةً مِنْ الْحَيَاةِ دُونَ أيِّ تَعَابِير . . !
لَم الْحَظ تغييراً فِي وَجْهِي سِوَى أَنَّ أَثَارَ الدَّمْع قَد اِخْتَفَت تقريباً وَلَم يَتَبَقَّى سِوَى الْقَلِيلِ مِنْ الكُحل دَاخِلٌ عَيْنِي وَالْبَعْض مِنْهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَى أَطْرَافِهَا ،
اشحتُ بنظري إلَى يَدٍ صُنْبُورٌ الْمَاء شَارِدَة الذِّهْن مُشبهة الكُحل بتلكَ الذِّكْرَيَات الَّتِي لَا أَسْتَطِيعُ مَحْوهَا مَهْمَا حَاوَلَت . . .
خرجتُ ببطى شَدِيدٌ أَتَّكِئ عَلَى الْحَائِطِ ، اِرْتَدَيْت معطفي الشَّتْوِيّ وَجَلَسَت عَلَى طَرَفِ السَّرِير ، لُفَّت انتباهي قَاع فِنْجان القَهْوَة الَّتِي شَرِبْتهَا منذُ الأمْس وتركتُه عَلَى الطَّاوِلَةِ بِجَانِب الْبَعْضِ مِنْ إعْقَاب السجائر الْمُسْتَهْلَكَة لِنِصْفِهَا فَقَط ، ! ! . .
وَمِنْدِيل مُبلل يُحْمَل لَوْن أحْمَرَ الشِّفَاهِ الَّذِي مسحتُه الأمْس قَبْلَ النَّوْمِ ،
قَاع فِنْجان القَهْوَة جَافّ ومشقق كَصَحْرَاء مَرَّ عَلَيْهَا أَقْوَى أَيَّامِ الشِّتَاءِ مطراً وَأَشَدّ أَيَّامِ الصَّيْفِ حراً فِي يومٍ واحدٍ فَقَط ، !
أَشْعَرَ بِأَنَّ ارواحاً شريرة أَوْ لَعْنَةٍ قَدِيمَةٌ قَد حِلِّه عَلَى غُرْفَتِي ليلاً ، !
الْخَامِسَة وَالنِّصْف ٥ : ٣٠ م
عقدتُ حاجبي فَوْر فَتْحِي لعيناي لَا أَعْلَمُ كَيْفَ غَلَبَنِي النّوْمُ هَكَذَا ، ! ! !
تذكرتُ فَجْأَة مَوْعِدِي مَعَ صَدِيقِهِ قَدِيمَةٌ قَد جمعتني بِهَا أَيَّامَ الثَّانَوِيَّة الْعَامَّة بَعْدَهَا لَمْ أعُدْ أَرَاهَا مُطلقاً ،
وَقَد عَثرت عَلِيّ أخيراً بَعْد بحثٍ مُضْنِي مِنْ خِلَالِ إحْدَى الصديقات ،
كَانَ مِنْ الْمُفْتَرِض بِأَن اقابلها الْيَوْمُ لِأَنَّهَا اشتاقتني جداً كَمَا تَقُولُ ، فآخرُ مرةٍ رَأَتْنِي بِهَا قَبْلَ عَامَيْن صُدفة فِي أَحَدِ الْمَحَلاَّتِ التِّجارِيَّةِ ، بَعْدَهَا لَمْ تَعُدْ تَرَانِي مُطلقاً بِسَبَب عُزلتي الشَّدِيدَة . .
شعرتُ بِعَدَم الرَّغْبَة بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ . .
لَا بَأْسَ
سأذهب لَهَا فِي وقتٍ لَاحِقٌ ،
بحثتُ عَن هاتِفِي فَوَجَدْتُه بَيْن وِسَادَتِي وَالْوِسَادَة الَّتِي بِجَانِبِهَا ، فَاتَّصَلَت بِهَا واعتذرت عَن المجيئ ،
بِكَذِبِه إنَّ أُمِّي قَد رَفَضَت ذَهَابِي ، لَكِنَّهَا أَصَرَّتْ عَلَى مقابلتي وَطَلَبَت مِنِّي متوسلة التحدُث مَع أُمِّي لإقناعها ،
فأخبرتُها بِأَنَّهَا غاضبة جداً بِالْوَقْت الْحَالِيّ ووعدتها بِزِيَارَة أُخْرَى فِي وَقْتِ
لَاحِقٌ . . ،
لَم احدد مَعَهَا يوماً معيناً فَوَافَقَه بنبرةٍ فِيهَا الْقَلِيلِ مِنْ الشَّكِّ !
لَم اعر لِلْأَمْر أَهَمِّيَّةً كَبِيرَةً بَلْ كَانَ كُلٌّ مَا أُفَكِّر بِهِ هُوَ إنْهَاء هذهِ
الْمُكَالَمَة بأقصرِ وقتٍ مُمْكِنٌ وبأكبر قدرٍ مُمْكِنٍ مِنْ الرَّقِّيّ ،
لَيْس غروراً إنَّمَا حقاً لَا أَرْغَب بِالْكَلَام أَوْ رُؤْيَةٍ أَيْ شخصٍ كَان . . . ! ! !
إِلَهِي اغْفِرْ لِي . . .
إِلَهِي اغْفِرْ لِي . . .
" كذباتي ، زَلَّاتِي ، هفواتي ، وَالْحَنِين "
فتلكَ الْأَرْبَعَةِ هِيَ مِنْ أوْدَت بِي إلَى هُنَا . .
ينتابني أحياناً شُعُورٍ لَا أَعْرِفُ كَيْف أَصِفُه وَلَا طَاقَةَ لِي عَلَى الخلاصِ مِنْه ! !
ذهبتُ لأُعد فِنْجان قَهْوَة ،
لَحْظَة غَلَيَان القَهْوَة تُذكرني بمعارك الرُّوم الطَّاحِنَة مَع جُيُوش الْفَرَس ، ! !
تَتَلاطَم الْأَفْكَار دَاخِلٌ رَأْسِي كأمواجِ بحرٍ غَاضِبٌ ،
لَمْ أَجِدْ بِالْمَنْزِل سِوَى شقيقتي " اناغيم"
كَانَت ترتدي حذائها وتستعد لِلْخُرُوج برفقة صديقاتها ،
اقنعتُها بَعْد عَنَاء بشُرب القَهْوَة مَعِي أَوَّلًا ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ ، إنْ أَرَادَتْ
شَرِبْنَا القَهْوَة بِهُدُوء لَم نَتَكَلَّم كثيراً إلَّا عَنْ مَوْعِدِ عَوْدَتِهَا لِلْمُنْزَل وَالْمَكَانُ الَّذِي يرغبن بِالذَّهَابِ إلَيْهِ ،
خَرَجَت شقيقتي وَبَقِيَت جَالِسَةٌ عَلَى الْأَرِيكَة فِي مَكَانِي مُمَسَّكَة كُوب القَهْوَة بِكِلْتَا يَدَاي . .
دَار بِبَالِي مَوَاقِف ولحظات عَدِيدَة لكُل مَا مَضَى طِوَال هَذِهِ الْأَعْوَامِ ،
نظرتُ إلَى انْعِكَاس وَجْهِي عَلَى الطَّاوِلَةِ الزُّجاجِيَّة لَكِنِّي تجنبتُ النَّظَرِ فِي عَيْنَاي إذَا انهُ لَا يُمْكِنُنِي مواجهةُ نَفْسِي ! ! !
غضبتُ مِنْ نَفْسِي فَإِنَّا لَا أُرِيدُ التَّفْكِير بِالْمَاضِي فقررتُ الْعَوْدَةِ إلَى لِلنَّوْم ، تقلبتُ مرةً لِلْيَمِين ومرةً لِلْيَسَار مَرَّتَيْن متتاليتين ،
بَعْدَهَا رُفِعَت الْغِطَاءِ عَنْ وَجْهِي وَتَأَمَّلْت السَّقْف مستذكرة مَا حَدَثَ منذُ
١٤ عاماً تحديداً . . . .
#أناسيم_رائد_سعيدين
#أقلام_كيان
#مدونة_كتابات
#نبض_المواهب_الهادفة
![]() |
الكاتبة/أناسيم رائد سعيدين |
اتمنى لكم قراءة ممتعة ❤️
ردحذف