القائمة الرئيسية

الصفحات

Getlike

طاولة ولكن..../ بقلم:كوثر عبدالكريم |مدونة كتابات

طاولة ولكن....

 لقد كُنتُ أمتلِك موقِعًا جميلاً جداً في المقهى الذي كنتُ أعيش فيه، حتى أن إخوتي كُنَّ يغبِطننِي عليه، فقد كانت أشعةُ الشمسِ تَحتضِنُني كُل صباح، وفي وقتِ الظهيرةِ عندمَا تشتدُّ حرارتُها كانت تغادرُني وترحَل وتحُط رحلَها على إخوتي، أظنها تُحِبني جداً ولا تريد أن تؤذِيني.


لقد كان البشر يُحبُّون الجلوس عندي، حتى أن أحدَهم إذا دخل المقهى لا يجلِس عند إحدى إخوتي حتى يتأكد من أننِي مشغوله، مما جعلني الأوفر حظاً بسماعِهم والأقرب إليهِم .

كنتُ أسمعهم يتحدثون دائِماً وأحياناً أودُّ كثيراً لو أشارِكهُم حديثَهم. 

تقدَّم أحدُهم ذات مرةٍ لفتاةٍ بالزواج في حضوري، إحمرَّت وجنتا تلك الفتاة ولم تستطِع أن تنطِق ببنت شفه، لقد رأيتُ قلبها يُحلِّق فرحاً ، سرحتُ بخيالي بعيداً وتسائلت، لو كنتُ مكانها تُرى كيف سيكون شعوري!. 


       

ذات صباح ندِيِّ جداً مكسوٌّ بالنسماتِ العذبة وزقزقة العصافير، جلس عندي رجُلان، أظنُّ أنهما أخوان فقد استنتجتُ ذلك لأن ملامِح وجهيهِما كانت متشابِهةً جداً ، لقد كانا يتحدَّثان عن المال وأظنُّ أني سمعتُ كلِمة ورِثه، لم أستطِع أن أفهَم كل الجُمل التي قِيلَت، لكِن أحدهُما قال للآخر: "سآخُذ كُل شيء ولن تستطيع أن تشتكي لأنك لا تملِك أي دليل و "القانون لا يحمي المغفلين" ، بعد ذلك بلحظات تبدَّلت ملامِح الرجُل الآخر كما لو أنَّه لم يكُن هو، تفاجَئت كثيراً عندما لمحتُ تعابيرِ وجهه تتغير بهذه السهوله، بعد ذلك أخرَج سكيناً من معطفِه وبِحركة خاطِفة سبقَت بصري جعلَها تغيبُ في أسفل بطن أخيه، مما جعل ذلك السائل الأحمر يندفِع منه بكميات هائلة، وقد استوَت بقع كبيرة منه على سطحِي، حينها خِفتُ كثيراً وارتجفت فلمْ أرَ هذا السائِل يوماً إلا في تلفازِ المقهى، والآن هو يغطيني تمامًا، لقد كانتْ له رائِحته قوية، جعلتني أشعرُ بالدوَّار، وما هي إلا لحظاتٌ حتى سقط الرجُل المطعون علَيَّ مما جعَل إحدى أقدامِي الأربعة تُكسَر، لقد شعرتُ بالألم في أعمق نقطة في قلبي وانهرتُ بعدها مغمًى علَيَّ. 

عندما استيقظتُ وجدتُ أنهم عالجوا كسري وسمعتُ أن الرجُلان كانا يتنازعان في مالٍ تركه لهُما والِدُهُما المتوفَّى، وأن الرجُل المطعون حاول سرِقة المال كلّه وقد أدِين هو وسُجن في نهايةِ الأمر! 

تسائلتُ كيف يحارِب الإنسان أخاه من أجل المال!، هل هذا المال قيِّم لهذه الدرجة! وهل هو أكثرُ قيمةً من الأخوَّة والمبادِئ!.


                       

لفتَ نظري أيضاً ذلك الشاب الذي كان يغازِل حبيبَته أمامي، حتى أننِي كنتُ أتورَّد خجلاً من جمال كلِماته، لكن مضَت الأيام وأصبَح ذلِك الفتى يأتِي وحده، يجلِس على أحدِ الكُرسيَّين وينظرُ للكُرسيِّ الآخرِ ويتمتِم بكلِماتٍ لم أستطِع سماعَها، لقد بَدا حزِينًا جدًا، أظنُّ أنه هُجِر!

كان كُلما أتى وجلَس عندي إمتصَصتُ مِنه ذلك الحُزن حتى إذا قام وجدتُ كُل بقعَةٍ لمَسها منِّي أكثرُ إسوِداداً وقُتمة!

توالَتِ الأيام وما زال يأتي في تمامِ الخامسَة والنِّصف من مساء كُل يَوم وما زِلتُ أمتصُّ مِنه حُزنه حتَّى نضُر وجهُه!

سمِعتُه ذلِك اليوم يقُول بصوتٍ مسمُوع: "لا أدري لِمَ ولكنَّني أرتاحُ كلَّما جلستُ هُنا، ترَكتِنِي وواسَتنِي طاولَه". 

لقد ذممتُ فتاتَه بشدَّة، فقد كان فتًى لطيفاً جداً يستَحِق أن يُحَب بِقلبِ طاوِلة!. 



أستغربُ إختلاف البشر كثيراً ؛ أعنِي بهذا دواخِلهم فأنا أستطيع أن أرى قلوبهُم وتلوُّنها جيداً وأمقُت كيف أنَّ تصرُّفاتهم تنافي مافيها!

لِمَ لا يكونون مثلَنا، فنحنُ نمتلِك قلباً واحِداً، إن كرِهناك ابتعدنا وإن أحبَبناك أخلصنا.

الكاتبة/كوثر عبدالكريم 


author-img
خدمة نشر الكترونية

تعليقات

Getlike