النــقد الأدبي وشعرة معـاويــة
بقلم د. أمل درويش
مصر
عرّف الدكتور طه حسين - عميد الأدب العربي- النقد بأنه: نوع من الأدب الذي يُبلغ إلى الناس رسالة الأديب فيدعوهم إليها ويرغبهم فيها، أو يصرفهم عنها ويزهدهم فيها.
أي أن الناقد يحمل على عاتقه مسؤولية خطيرة وعملًا دقيقًا؛ إذ أنه الحكم والفيصل في تحديد جودة العمل الأدبي، وحث الناس على الإقبال عليه أو الانصراف عنه..
ثم يكمل الأديب الكبير شرحه لدور الناقد فيقول: والذي يُبلغ الأديب صدى رسالته في نفوس الناس، وحُسن استعدادهم لها أو شدة ازورارهم عنها..
ونتوقف عند هذه النقطة الهامة، ألا وهي دور الناقد التوجيهي للمبدع وللجمهور، إذ لا يمكن أن يطرح الكُتاب أعمالهم مباشرة على الجمهور الذي قد يعجبه عمل الأديب وقد لا ينال استحسانه، وكم من أعمال كانت ضعيفة ولكنها نالت استحسان من قرؤوها، وأعمال أخرى قيّمة لم تنل اهتمام الجمهور؛ فأذواق الناس تختلف باختلاف ثقافاتهم وبيئاتهم وكذلك الوقت الذي طُرح فيه العمل والظروف المحيطة والكثير من العوامل التي ربما ترفع عملًا لا يستحق وتودي بعمل أقيَم..
ولهذا كان دور الناقد هامًا وضروريًا لتوجيه الرأي العام والفصل في قيمة الأعمال وتوضيح رؤى الأدباء التي ربما يستعصي فهمها على البعض.
ولكن الناقد يبدو كمن يسير على حبل رفيع لا يسعه إلا السير في خط مستقيم بدقة وحيادية؛ فإن هو حاد عنه يمينًا قليلًا وقع في فخ المحاباة والتملق والمجاملة؛ فيرفع بذلك شأن عمل لا يستحق على حساب أعمال أخرى تتفوق عليه، فتنال من الظلم ما لا تستحقه.
وإن هو حاد يساره قليلًا سقط في فخ التنمر والازدراء والتقليل من حجم موهبة ربما تحتاج لدعم بسيط لتتفتق بواطن الإبداع فيها وتُشرق شموس الحرف أعمالًا أنيقة حرّي بها أن تتقدم الصفوف الأولى.
وهنا تجدر الإشارة إلى تحديد فكرة الصفوف الأولى وتوضيحها؛ فالعمل الإبداعي لا يخضع لمثل هذا التقنين والتقييم، وقد يشق على المحكمين في المسابقات تحديد المراكز لشدة تقارب الأعمال في درجة النضج الفني والمستوى الإبداعي؛ فيلجؤون لحيلة أخيرة وهي مراجعة التدقيق الإملائي وهفوات الطباعة وطريقة التنسيق والعرض لتحديد ترتيب المراكز..
إن عين الناقد ليست فقط هي الفيصل والحكم ولكن روحه وعقله يتدخلان؛ فتحتوي روحه النص وتسمح له بأن يتخللها وتستشعر كل مستقبلات الإبداع فيها كل سكناته وتحلل خفاياه وتتشبع بروح المبدع لتتفهم غرضه من العمل.
وأما عقل الناقد فيقف موقف القاضي الذي يدقق في كل حيثيات العمل الأدبي بكل حيادية، يفند أساليب الأديب ومقاصده ويحرر أفكاره منها وأغراضه من العمل ككل وكيف نجح في إيصال الفكرة وكيف يمكن للمتلقي أن يستشعر ذلك..
إن الكاتب حينما يمسك بأوراقه ليسكب عليها مشاعره وأفكاره ينقسم إلى نوعين؛ نوع يحدد فئة المتلقي فمثلًا يكتب البعض موجهًا عمله لفئة المثقفين أو الدارسين فلا يجد غضاضة أن يكتب مصطلحاته دون توضيحها، وربما تعمق في بحور اللغة ملتقطًا أفخم المعاني ومطرزًا عمله بجمل وكلمات من المعاجم التي قد يشق على المتلقي العادي فهمها، لكنها تثري نهم القارئ المتخصص وتُشبع غريزته في الشعور بالسمو والارتقاء.
وقد يحدد الكاتب ميمنته نحو القارئ البسيط فيؤثر اللجوء إلى اللهجات البسيطة العامية كالشعر العامي، أو استخدام الأسلوب الساخر الذي يعشقه البسطاء فيعبر عن أحزانهم ومشاق الحياة بلهجة ساخرة تخفف من وطأة الواقع المرهق.
وأما الفئة الثانية فهو الكاتب الذي يختار الوصول إلى كافة طبقات المجتمع، فتراه يكتب باللغة الفصحى ويختار منها أجزل الكلمات ولكنها في الوقت ذاته كلمات مألوفة قريبة من أذن الشارع..
لأنه يريد الاقتراب من أكبر شريحة من الجمهور.
ولا ضرر في ذلك، إن لم يكسر قواعد اللغة، ولم يتعدَّ على جمالياتها، وما أجمل أن نعود إلى لغتنا الأم ونقترب منها أكثر ونستشعر بواطن جمالها وخفايا حروفها، وتصبح الأقرب إلى استخدامنا اليومي.
بتاريخ. 12/8/2021
![]() |
الكاتبة/ أمل درويش | مدونة كتابات |
تعليقات
إرسال تعليق