غُرْفَةٌ مُظْلِمَةٌ
غُرْفَةٌ مُظْلِمَةٌ تَسْرِي الرَّعْشَةَ فِي أَوَاصِلِكَ إِذَا دَخَلْتَهَا، بَارِدَةٌ تَمَامًاً كَبُرُودِ قَلْبِ مَالِكَتِهَا، جُدْرَانٌ سَوْدَاءُ،فِرَاشٌ أَسْوَدُ، حَتَّى خِزَانَتُهَا سَوْدَاءُ، أَرِيكَةٌ سَوْدَاءُ وَبِهَا بَعْدَ الْوَسَائِدِ الْمُغَلَّفَةِ بِاللَّوْنَيْنِ الْأَسْوَدِ وَالرَّمَادِيِّ، سَجَّادَةٌ سَوْدَاءُ.
مُسْتَلْقِيَةً عَلَى فِرَاشِهَا،يَتَعَالَى صَدْرُهَا تَارَةً وَيَدْنُو أُخْرَى، تَذْفِرُ بِضَجَرٍ،تَحْمِلِقُ بِهَاتِفِهَا الَّذِي لَمْ يَتَوَقَّفْ بُرْهَةً عَنْ الرَّنِينِ.
رُفِعَتْ يَدُهَا مُمْسِكَةً بِهِ لِتَرْمِيَهُ اتِّجَاهَ الْحَائِطِ فَيَتَبَعْثَرُ حُطَامُهُ فِي أَرْجَاءِ الْغُرْفَةِ.
نَهَضْتُ وَجَلَسَتِ الْقَرْفُصَاءَ مُحَمَلَقَةً بِعَيْنَيْهَا الْجَاحِظَتَيْنِ، الْمُحَمَّرَتَيْنِ كَمَا لَوْ أَنَّهُمَا قَدْ سَكِبَ فِيهِمَا بَعْضَ الْجَمْرِ، تُطَالِعُ انْعِكَاسَهَا فِي الْمِرْآةِ، ارْتَفَعَ ثَغْرُهَا وَاحْتَضَنَتْ شَفَتَهَا ضِحْكَةً سَاخِرَةً،هَلْ يَعْقَلُ أَنَّ هَذِهِ الَّتِي تُطَالِعُهَا هِيَ ذَاتُهَا ؟يَاسَمِينُ الَّتِي يُشَارُ إِلَيْهَا بِالْبَنَانِ؟ تِلْكَ الْحَسْنَاءُ الْفَاتِنَةُ الَّتِي لَطَالَمَا أَسَرَتْ قُلُوبَ الشَّبَابِ، وَغَارَتْ مِنْهَا الْفَتَيَاتُ، وَلَكِنَّهَا الْآنَ أَشْبَهُ بِشِبَحٍ، جَسَدٍ بِلَا رُوحٍ.
وَلَمْ كُلَّ ذَلِكَ؟ لِأَنَّهَا وَثِقَتْ بِمَنْ حَوْلَهَا ثِقَةٌ عَمْيَاءُ، أَعْطَتْ دُونَ مُقَابِلٍ، وَأَحِبَّتْ بِلَا مُبَالَاةٍ، سَلَّمَتْ قَلْبَهَا لِمُهْمَلٍ، فَوَضَعَهُ عِنْدَ حَافَّةِ الطَّاوِلَةِ دُونَ أَنْ يَحْتَضِنَهُ،فَهَوَى وَتَنَاثَرَ لِآلَافِ الْقَطْعِ.
هَلْ تَبْكِي عَلَى ذَاتِهَا، أَمْ تَنْدُبُ حَظَّهَا، أَمْ تَثْأَرُ مِمَّنْ حَطَمَهَا؟ كَانَ ذَلِكَ كُلَّ مَا يَجُولُ بِخَاطِرِهَا، فَالرِّفَاقُ تَخْلُو عَنْهَا، لَمْ تَحْظَ بِصَدِيقٍ حَقِيقِيٍّ قَطُّ، كَانَ الطَّمَعُ دَافِعَهُمْ
لِمُصَادَقَتِهَا، أَمَّا عَائِلَتُهَا، لَا أَقْصِدُ وَالِدَيْهَا طَبْعًاً رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَغُفِرَ لَهُمَا، فَهِيَ وَحِيدُهُ مُنْذُ مِيلَادِهَا، وَلَكِنَّ الطَّمَعَ وَالْجَشَعَ أَعْمَى قُلُوبِ أَعْمَامِهَا حَتَّى بَاتُو يَتَشَاجَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، كُلٌّ مِنْهُمْ يَوَدُّ تَزْوِيجَهَا لِابْنِهِ، لَيْسَ مَحَبَّةً فِيهَا وَإِنَّمَا غِرَامًاً وَهِيَامًاً بِمِيرَاثِهَا.
مَضَتْ سَاعَةٌ مِنَ الزَّمَانِ وَتِلْكَ الدُّمُوعُ تَنْهَمِرُ مِنْ مَقْلَتَيْهَا، حَتَّى أَنَّهَا حَفَرَتْ أُخْدُودًا عَلَى خَدَّيْهَا الْحَرِيرِيَّيْنِ، وَلَكِنَّهَا وَأَخِيرًا قَرَّرَتْ اسْتِجْمَاعَ ذَاتِهَا وَإِلْمَامَ شَتَاتِهَا، فَهِيَ لَمْ تُعْهَدْ يَوْمًا أَنْ تَكُونَ ضَعِيفَهُ، إِنَّهَا يَاسَمِينُ مَلِكَةَ الْإِيجَابِيَّةِ،قَلْبُ الْبَنَفْسَجِ كَمَا بِلَقَبِهَا الْجَمِيعِ، انْتَفَضَتْ مِنْ فِرَاشِهَا وَامْتَلَأَ ثَغْرُهَا بِبَسْمَةٍ لَوْ أَصَابَتْكَ لَصَرْتْ أَسِيرًا لَهَا مِنْ جَمَالِهَا، فَهِيَ وَلَوْلَا خَيْبَاتُهُمْ وَصَفَعَاتُهُمْ لَمَا وَصَلَتْ لِهَذِهِ الْمَكَانَةِ، لَمَّا صَارَتْ قَلْبَ الْبَنَفْسَجِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا بِالْبَنَانِ،أَصْغَرَ سَيِّدَاتِ الْأَعْمَالِ وَأَنْجَحَهُنَّ، لَمَّا صَارَتْ كَاتِبَةً يُعْجَبُ الْجَمِيعَ لِنُضْجِهَا وَفِكْرِهَا وَيَتَلَذَّذُونَ بِأَحْرُفِهَا.
مَلَأَتْ رِئَتَيْهَا بِبَعْضِ الْهَوَاءِ وَتَنَهَّدَتْ قَائِلَةً:
لَا بَأْسَ بِهَذَا الْأَلَمِ.
#آفاق_ربيع
#أقلام_شغف
#مدونة_كتابات
#نبض_المواهب_الهادفة
![]() |
الكاتبة/آفاق ربيع |
تعليقات
إرسال تعليق